مشاهير المغرب “يتراشقون” على السوشيال.. خفايا حرب مستعرة

شهدت مؤخراً مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب انتشار ظاهرة التراشق بالكلام وفبركة الخصام بين عدد من الفنانين ومشاهير العالم الرقمي الباحثين عن الشهرة والمال.

وتحولت مشاهد البحث عن التقاط الصور المثالية إلى جحيم يهدد حياة الكثيرين، وملاذاً لصناعة القصص المفبركة التي يحصد أصحابها الملايين من المشاهدات والإعجابات.

كما أدى ظهور العديد من المشاهير في العالم الرقمي إلى صناعة منافسة محفوفة بالمخاطر، ورطت العديد منهم في جرائم التشهير وزجت بهم في السجون.

حيث لقيت قضية النزاع بين الفنانتين المغربيتين دنيا بطمة وسعيدة شرف تفاعلاً كبيراً، أدى إلى نشوب صراعات بين المغنية سعيدة شرف والمؤثرة المغربية مريم العيساوي المعروفة بـ”ميمي”، وصل أروقة المحاكم.

كذلك سبق للرأي العام أن اهتز على وقع نشر صور وفيديوهات لعدد من الفنانين والإعلاميين المغاربة على الحساب الوهمي الشهير “حمزة مون بيبي” على منصتي “سناب شات” و”إنستغرام”.

كسب المال

ولتفسير الظاهرة نفسياً واجتماعياً، قال مصطفى شكدالي الأستاذ والباحث في علم النفس الاجتماعي لـ”العربية.نت”، إن “المؤثرين في الميديا يتحدثون على أساس أنهم مشهورون، لكن بمنطق التشهير، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. فهم ليسوا علماء ينتحلون صفة ولا خبراء، وليس لهم أي كفاية من نوع معين، وبالتالي فالمشهر به يشهر بالآخر حتى يتاح له الفرصة للاستفادة من المتابعة بأرقام خيالية”.

كما وصف مشاهير السوشيال الميديا بـ”المشهر بهم وليس المشاهير”، موضحاً أن الرقمنة بصفة عامة هي نوع من التحكمية الخوارزمية التي قد تدفع برواد فضاءاتها السيبرانية إلى إنتاج سلوك مدمر.

كذلك استحضر أن “الغاية من هذه السلوكيات التي يفتعلها رواد المواقع الرقمية هو كسب المال عن طريق الترند والأدسنس”، مشيراً إلى أن هذا النوع من صراعات هو صراع محموم في العمق.

وأكد أن التكنولوجيا ذهبت باتجاه البحث عن قاعدة كبيرة حتى تمكنت من الترويج إلى منتجاتها الاقتصادية عن طريق الإشهار (الإعلان)، وبالتالي كلما كبرت قاعدة مسمى المؤثرين ربحت من ذلك مالا معينا.

“صراع خفي”

وتشخيصاً لهذه الظاهرة، لفت شكدالي إلى أنه في علم النفس هناك ما يسمى بتقديم الذات أي بمعنى أن الإنسان دائماً ما يريد أن يكون مرئياً بصفة عامة، وهي ربما الفكرة التي كانت وراء التحكمية الخوارزمية.

أما فيما يخص القضايا التي تثار عند بعض المشاهير، فقال إن “رواد المنصات ليست لهم مناعة فكرية، وقدراتهم الفكرية لا تسمح لهم باستيعاب التحكمية الخوارزمية، ما يجعلهم يأتون بأشياء قد تصل إلى احتقار الذات من أجل الربح المادي لأن المبتذل هو من يثير المتابعة والمشاهدة لجلب المال عن طريق صناعة هذا النوع من المحتويات التي تتجه نحو جلب الجمهور العريض الذي يبحث عن الفضائح”.

كما أضاف أن “المؤثر يلجأ إلى وسائل يفسد فيها زاده من احتقار الذات التي تسمى في علم النفس التعبير عن الحميمة التي يلفت بها انتباه الآخرين ويتجه بها نحو ممارسة العدوانية على الآخر”.

كذلك أردف أن “صراعاً خفياً بين المؤثرين هو ما يوقعهم في المحظور أي السب والقذف والتشهير، وقد يكون نوع من المسرحة التي تتحول فيها فبركة الشهرة إلى التشهير”.

“التراشق والسب والقذف والتشهير”

على صعيد آخر، صرح الباحث القانوني والحقوقي محمد ألمو لـ”العربية.نت” أن تنامي الاستخدام السيئ لوسائل التواصل أدى إلى انحرافات خطيرة أصبحت تشكل تهديداً حقيقياً لقيم المجتمع ونظمه وقوانينه وأصبح أكثر تأثيراً على فئة الأطفال والمراهقين.

وأضاف أن “توسع منسوب التفاهة وتمددها أدى إلى الانتقال لمستوى آخر أسوأ من سابقه ألا وهو التراشق والسب والقذف والتشهير عبر منصات التواصل، وانتهاك حقوق الأشخاص وأغراضهم وخصوصياتهم وشرفهم مع استباحة أفعالهم التي قد تؤدي إلى خلق بيئة من الكراهية والتعصب والتشويه والتضليل”.

عقاب القانون

كما أشار إلى أن هذه السلوكيات في نظر القانون المغربي تعد جرائم كاملة الأركان، معاقبا عليها بعقوبات مختلفة تبعاً لطبيعة ودرجة وهدف الجريمة، تتراوح من الغرامات المالية إلى الحبس، وتزداد إذا كانت الجريمة موجهة ضد مؤسسات الدولة أو موظفيها أو الأقرباء أو القاصرين أو المرأة بسبب جنسها.

كذلك شدد على أن العقوبات التي يصدرها القانون الجنائي المغربي في حالة ثبوت جرائم التشهير تصل عقوبتها بين 6 أشهر إلى سنة وإلى 3 سنوات في حالة نشر صور الأشخاص أو بث ادعاءات كاذبة بهدف المس بالحياة الخاصة والتشهير، بالإضافة إلى العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة المغربي، والتي تتراوح ما بين غرامة 5000 دولار إلى سنة حبساً عن التشهير والمس بالاعتبار الشخصي.

وختم قائلاً إن “مثل هذه الأزمات الأخلاقية تستدعي تدخلاً تشريعياً عاجلاً لوضع مدونة خاصة بالجرائم المرتكبة أثناء الاستخدام السيئ لوسائل التواصل”.

تجدر الإشارة إلى أن عددا من الخبراء والباحثين في علم الاجتماع والقانون نبهوا إلى أن ظاهرة التراشق بالكلام على مواقع التواصل في تنام متزايد، وتهدد حياة الكثيرين وسلامتهم النفسية، ما يستدعي ضرورة تفاعل المؤسسة التشريعية مع الوقائع وإحداث مدونة قانونية تضبط بها الواقع الرقمي المغربي.

المصدر: العربية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى