يتوزعون على 100 دولة.. تحويلات المغاربة في الخارج تنعش اقتصاد بلادهم
الرباط- بدأت أفواج المهاجرين المغاربة رحلتهم السنوية لزيارة بلادهم لقضاء العطلة الصيفية، ويحرص الكثير منهم على العودة خلال يونيو/حزيران الجاري، لقضاء عيد الأضحى في أجواء عائلية ووفق الطقوس الاجتماعية، ويشكل المهاجرون المغاربة قوة بشرية واقتصادية تسهم في استقرار وتنمية المملكة.
وبلغ عدد مغاربة العالم المسجلين لدى شبكة قنصليات المملكة 5.1 ملايين شخص إلى غاية أبريل/نيسان 2021، وهو ما يمثل 15% من سكان المغرب، لكن بإضافة الأشخاص الذين يعيشون في الخارج وغير المسجلين لدى القنصليات -سواء المغاربة الذين ولدوا في المغرب والمقيمون بالخارج أو مزدوجو الجنسية المولودون والمقيمون في الخارج الذين يحمل أحد والديهم أو كلاهما الجنسية المغربية- فإنه يمكن تقدير إجمالي مغاربة العالم بين 6 و6.5 ملايين شخص.
وحسب البيانات التي نشرها المجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي العام الماضي في تقرير له عن المهاجرين، فإن أوروبا تستقبل 89% من المهاجرين المغاربة (4.5 ملايين من المغاربة المسجلين لدى قنصليات المملكة يقيمون في أوروبا)، فيما يتوزع البقية على أكثر من 100 بلد في العالم (في آسيا 202 ألف، وفي أفريقيا 212 ألفا، وفي أميركا 150 ألفا).
وتضم فرنسا أكبر حصة من مغاربة العالم، إذ تجاوز عددهم المليون شخص، وفي إسبانيا بلغ عددهم 900 ألف، أما في بلجيكا فقد بلغ عددهم سنة 2021 حوالي 570 ألفا، وهو ما يمثل 5% من تعداد سكان هذا البلد، وفي هولندا يوجد حوالي 415 ألف مغربي حسب إحصائيات سنة 2021، وفي إيطاليا 423 ألفا حسب إحصائيات 2019.
يتسم أفراد الجالية المغربية في الخارج بكونهم من الشباب النشيطين في أغلبيتهم، وأظهر البحث الوطني للهجرة الدولية الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2020 أن 60% من مغاربة العالم تتراوح أعمارهم بين 15 و39 سنة، فيما تقل نسبة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة فما فوق عن 4%.
وحسب المصدر ذاته، فإن مغاربة الخارج يتمتعون بمستوى تعليمي أعلى نسبيا من المتوسط المسجل لدى سكان البلاد، إذ إن أكثر من ثلثهم لديهم مستوى تعليمي عال (33.5%)، ويتوفر ثلثهم على المستوى الثانوي.
وفي السنوات الأخيرة أضحت الكفاءات المغربية ذات التكوين العالي تتجه نحو كندا والولايات المتحدة الأميركية أكثر من إقبالها على الوجهات التقليدية للهجرة (فرنسا، بلجيكا، هولندا، ألمانيا)، ويحمل 76% من المغاربة المقيمين في أميركا الشمالية شهادات عليا مقابل 48% من المهاجرين الذين يقصدون الوجهات الأوروبية التقليدية.
تنمية ملحوظة
يشكل مغاربة العالم الجهة (الولاية) رقم 13 للمملكة المغربية حسب ما أوضح للجزيرة نت عبد الفتاح الزين الخبير في الهجرة، مشيرا إلى أن الدستور قدم نموذجا للهجرة المغربية يولي اهتماما بالغا بالمهاجرين المغاربة من خلال تخصيص 5 فصول لهم.
ويساهم مغاربة العالم في تنمية اقتصاد بلادهم عبر إغناء الخزينة بالعملة الصعبة من خلال التحويلات المالية وعبر الاستثمار والسياحة.
ويحول 83.4% من المهاجرين جزءا من دخلهم إلى المغرب، وتصل حصة التحويلات المالية إلى 8% من الناتج المحلي، وتمثل 20% من الموارد التي تجمعها البنوك وتمول ثلث العجز التجاري.
وحسب بيانات مكتب الصرف، فإن تحويلات الأموال الصادرة عن المغاربة المقيمين بالخارج بلغت أكثر من 35.42 مليار درهم (3.5 مليارات دولار) في أبريل/نيسان 2023.
وأوضح المكتب أن هذه التحويلات سجلت ارتفاعا بنسبة 12.8% مقارنة بأبريل/نيسان 2022.
وبلغ حجم تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج 109.15 مليارات درهم (10.8 مليارات دولار) عام 2022، مقابل 93.67 مليار درهم (9.2 مليارات دولار) سنة 2021.
وقال الخبير الاقتصادي رشيد ساري إن تحويلات المهاجرين المغاربة لعائلاتهم تكشف ارتباطهم ببلدهم الأم وتضامنهم مع أسرهم.
ويضيف ساري في حديث للجزيرة نت “في زمن الأزمة الصحية خالف المهاجرون التوقعات التي تنبأت بانخفاض التحويلات ونضوبها بسبب تأثرهم بالأزمة وفقدان بعضهم العمل، لكن العكس هو ما وقع”.
وحسب عبد الفتاح الزين، فإن تحويلات المهاجرين تساهم في دعم الأسر المغربية ودعم رصيد البلاد من العملة الصعبة.
وأوضح أن الكثير من الأسر تعتمد على المساعدات المالية التي تصلها من أفرادها المقيمين خارج البلاد، وهو ما يساهم في مكافحة الفقر، إذ تذهب تلك الأموال إلى تحسين مستوى عيش الأسر وتعليم الأطفال ودخول الخدمات الصحية والخدمات الترفيهية.
تحويلات
لكن هذه التحويلات المهمة لا يوازيها استثمار فعال في البلد الأم، وفق رشيد ساري، إذ إن 10% فقط من هذه التحويلات المالية تتجه نحو الاستثمار.
وأضاف ساري أن هذه الاستثمارات تتجه نحو مشاريع بسيطة وتقليدية، مثل شراء العقارات والمقاهي وغيرها.
ولفت إلى أن مغاربة العالم من الجيل الجديد يتميزون بخبرات وكفاءات عالية، مما يفرض على الفاعلين السياسيين والمؤسسات الحكومية العمل على تقديم حوافز لهم وتوفير المناخ والظروف الملائمة لتوجيه جزء أكبر من التحويلات المالية نحو الاستثمار في مشاريع خلاقة.
ودعا الزين المجالس الجهوية للاستثمار إلى القيام بدورها كاملا لتشجيع مغاربة العالم على الاستثمار في البلد الأم، مشيرا إلى أنها حاليا تمتلك اختصاصات واسعة تؤهلها لذلك، مثل المواكبة والبحث عن تمويلات والإشراف على المناطق الصناعية.
ويشير الزين إلى أن العديد من الأفكار والتوصيات تمت بلورتها خلال صياغة النموذج التنموي الجديد، وتهتم بتحفيز مغاربة العالم على الاستثمار في قطاعات اقتصادية واعدة، مؤكدا على أن المطلوب حاليا وضع السياسات العمومية والبرامج الكفيلة بتنفيذ التوصيات.
ودعا الفاعلين السياسيين إلى تطوير برامج وأساليب لاستثمار تحويلات المهاجرين لصالح التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأيضا مواكبة ومرافقة المهاجرين الموسميين الذين ينحدرون من أسر ضعيفة الدخل حتى لا يسقط العائدون في فخ الفقر مجددا إذا لم يحسنوا استثمار مدخراتهم، مشيرا إلى إطلاق بعض العائدين تعاونيات ومشاريع خدماتية تدر عليهم دخلا مكنهم من تحسين ظروفهم الاجتماعية.
السياحة
انطلقت بداية يونيو/حزيران الجاري عملية “مرحبا 2023” لاستقبال المهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج، وهي العملية التي تستمر إلى غاية 15 سبتمبر/أيلول المقبل، وتتم خلالها تهيئة عدد من المؤسسات والدوائر الحكومية لاستقبال ومواكبة المهاجرين خلال العبور والرجوع من وإلى المغرب طوال فترة العملية الممتدة لثلاثة أشهر ونصف الشهر عبر الموانئ والمطارات والمعابر البرية.
وتعتبر هذه العملية من أضخم عمليات العبور في العالم، ففي العام الماضي بلغ عدد الوافدين عبر مختلف المنافذ البحرية والجوية حوالي 3 ملايين، حسب إحصائيات وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج.
ويشمل برنامج عملية “مرحبا 2023” حوالي 24 موقعا وطنيا وعالميا لمساعدة ومواكبة أفراد الجالية المغربية على مستوى المغرب وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ويتم تجهيز حوالي 1400 فرد من المرشدين والأطباء والمتطوعين لهذه العملية.
ويسهم المهاجرون المغاربة خلال زيارتهم للمغرب في الصيف في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي وإنعاش النشاط السياحي، وحسب بيانات وزارة السياحة فقد توافد على المدن السياحية خلال يونيو/حزيران 2022 أكثر من 620 ألف مواطن مغربي مقيم بالمهجر.
ويدعو الزين وزارة السياحة إلى تقديم المزيد من عروض والبرامج السياحية الموجهة إلى المهاجرين المغاربة، لتعريف الجيلين الثالث والرابع على الخصوص بتراث بلادهم وثقافتها وتقوية الصلة بها.
المصدر : الجزيرة