كيف سعت السعودية لوقف الحرب بين العراق وإيران؟
ما قصة المندوب السعودي الذي زار إيران بعد انتصار الثورة والتقى الخميني.. وكيف عملت المملكة على إنهاء الحرب بين العراق وإيران؟
عندما عاد مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية من العاصمة الفرنسية باريس إلى مطار طهران، هبط روح الله الموسوي الخميني درج السلم ويد كابتن الطائرة ممسكة بيد الزعيم الذي أحكم قبضته على مفاصل الدولة، بعد أن أزاح حكم الشاه محمد رضا بهلوي وحل مكانه.
الشاه الذي كان يقدم نظامه بوصفه “شرطي الخليج”، خرج دون عودة، والقادم بعمته السوداء امتطى سيارة أميركية من نوع “شيفروليه”، فيما الجماهير تحيط به من كل حدب وصوب فرحة بـ”زعيم الثورة”.
الموفد الخاص!
كان الحدث “شأناً إيرانياً داخلياً”، هكذا نظرت الحكومة السعودية للثورة في إيران 1979، ولم تشأ أن تتخذ موقفاً سلبياً منها، لأن “عدم التدخل في شؤون دول الجوار” مبدأ راسخ في السياسة السعودية الخارجية.
كان الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، رغم انتهاجه سياسة خارجية توسعية، إلا أنه كان “خصماً أو منافساً يمكن التفاهم معه” في نظر الكثير من السياسيين في الخليج، بمعنى أن “طموحاته الإقليمية” رغم جموحها في المخيال “الفارسي” إلا أنها كان لها حدود، وكان بالإمكان النقاش معه والجلوس على طاولة حوار واحدة.
الخميني عندما عاد إلى إيران، ظهرت ملامح نظام جديد مختلف تماماً عن سلفه، ورفع شعارات “إسلامية”، الأمر الذي دفع باتجاه أن ترسل المملكة العربية السعودية موفداً خاصاً حمل رسالة تهنئة بانتصار الثورة من الملك الراحل خالد بن عبد العزيز آل سعود، تم تسليمها مباشرة لآية الله الخميني، وكانت إيران حينها تعاني شُحاً في الوقود، فقامت السعودية وفي مبادرة “حُسن نية” بتزويد طهران بكميات من الوقود.
أرادت السعودية أن تحتوي “الثورة” في الجوار، وأن تتعامل مع الواقع الجديد من منطلق “العلاقات الحسنة”، دون أن تتدخل في تفاصيل ما يجري على الأرض في الداخل الإيراني.
نصيحة فهد!
22 سبتمبر 1980، اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت حتى 20 أغسطس 1988، وكانت السعودية تراقب الوضع عن كثب، فهي معنية بما يجري بين دولتين جارتين سيؤدي الصراع بينهما إلى أضرار سلبية على مختلف دول الخليج العربي.
كان الموقف السعودي واضحاً ضد الحرب، وجاء على لسان الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز، حيث كان ولياً للعهد حينها، ومثل المملكة في القمة العربية التي عُقدت في تونس 1979، حيث قال الأمير فهد بن عبدالعزيز للرئيس العراقي الراحل صدام حسين: إنك تملك قرار بدء الحرب، لكنك لا تملك قرار إنهائها.
رئيس “الاستخبارات العامة” السعودية السابق، الأمير بندر بن سلطان، وضمن سلسلة وثائقي “حرب الخليج”، الذي بثته قبل سنوات فضائية “MBC”، تحدث كيف أن الملك فهد بن عبدالعزيز، قال لصدام حسين: لا نريدك أن تجر الخميني من لحيته ولا هو يجرك من كرفتتك!
لقد كان الموقف السعودي أكثر عقلانية مما ذهب له صدام حسين، فالملك فهد بن عبدالعزيز، نصحه قائلاً: هنالك مشكلات في إيران، واختلافات داخلية، وإذا قمت بالحرب سيكون ذلك في صالح إيران، حيث ستوحد جبهتها الداخلية أولاً، وستوحدهم ضدك ثانياً!
هذه الرؤية السعودية لم تكن نابعة من ضعف، أو خشية النقمة الإيرانية، وإنما لعلم الرياض أن أي حرب ستشتعل في الخليج العربي ستؤدي لإشكالات أمنية وعسكرية واقتصادية واسعة، وستكون على حساب استقرار الخليج وتنميته!
تصدير الثورة!
إذن، ما الذي دفع السعودية إلى الوقوف بجانب النظام العراقي في حربه ضد إيران، يجيب مصدرٌ مواكبٌ لتفاصيل الحرب، تحدثت معه “العربية.نت”، قائلاً “لم ترد السعودية أن تكون طرفاً في الحرب، بل عملت على محاولة ثني العراق عن الدخول فيها، من خلال العلاقة التي تربط البلدين”، مضيفاً “تطورت الأحداث في الحرب، وبرز خطاب إيراني توسعي، روج فيه الخميني إلى تصدير الثورة لدول الجوار، وظهرت بعض المواقف والتصريحات التصعيدية سياسياً والأعمال الأمنية والاستخباراتية، وسعى الإيرانيون للتدخل في شؤون دول الخليج العربي، ومحاولة إثارة المشكلات في هذه الدول، وحينها وجدت المملكة نفسها في موقف دفاعي عن أمنها الوطني وعن استقرار الدولة”.
وقف الحرب!
المصدر الخليجي المطلع، يضيف في حديثه لـ”العربية.نت”، قائلاً “رغم ذلك، سعت السعودية خلال سنوات الحرب إلى العمل على وقفها، وهذا ما حصل، حيث رعت المملكة مفاوضات سرية بين العراق وإيران، تمت في منزل الراحل الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في مدينة جنيف السويسرية، حيث جرت المفاوضات بمشاركة وفدين عراقي وإيراني، برعاية سعودية، وتكتم شديد، ومحاولة لتقريب وجهات النظر، وحضرها وزير الخارجية الإيراني علي أكبر ولايتي، ووزير الخارجية العراقي طارق عزيز، قبل أن يتم الإعلان لاحقاً في الأمم المتحدة عن موافقة الجانبين على قرار وقف إطلاق النار، وكان ذلك بمواكبة من الأمين العام السابق للأمم المتحدة خافيير بيريز دي كويلار”.
هذه “المساعي السعودية الجادة التي جرت بعيداً عن الأضواء في سويسرا والولايات المتحدة، والجلوس مع الإيرانيين والعراقيين، تشير بوضوح إلى أن الرياض لم تكن تريد سوى الاستقرار والأمن في الخليج، وأن سياستها الخارجية تجاه النظام الجديد في إيران كانت منذ البداية تقوم على محاولة التقارب مع الجار الشرقي، ليس من موقع الضعف وإنما إدراك المملكة أن الجغرافيا السياسية عامل لا يمكن تجاوزه في العلاقات الخارجية بين الدول، والتي يجب أن يكون أساسها التعاون والاحترام المتبادلين، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهو للأسف ما لم تلتزم به إيران بعد قيام الثورة وحتى الآن”، بحسب المصدر الذي تحدثت معه “العربية.نت”.
المصدر : العربية