“حصار واكو”.. نهاية حمقاء للعالم على الطريقة الأميركية
يصنع الخوف من الشخص وحشا شرسا تصعب السيطرة عليه، ويحوله إلى آلة للقتل والدمار، فإذا كان الخائف هو نظام يحكم أقوى دول العالم، من الطبيعي أن تظهر آلة لا مثيل لها في التدمير والقتل والحرق.
وقد خاف النظام الحاكم في الولايات المتحدة الأميركية عام 1993 من طائفة دينية فهاجمها بسلاح الشرطة والجيش وأشعل فيها النار. ورغم مرور 20 عاما، فإن ذاكرة التاريخ لا تسقط مثل هذه الأحداث الكبرى.
وقد اعتبر حصار “واكو”، الذي أدى إلى مذبحة هائلة، أكبر قتال حدث على الأرض الأميركية بعد نهاية الحرب الأهلية عام 1865.
واكو لا تموت
قدمت شبكة نتفليكس المسلسل الوثائقي الجديد “حصار واكو: نسخة أميركية من نهاية العالم” (Waco: American Apocalypse)، وهو ليس الأول من نوعه الذي يتناول قصة الطائفة الداودية التي تزعمها ديفيد كوريش، وانتقل معها إلى منطقة جبل الكرمل في تكساس، لينتظر -حسب زعمه- نهاية العالم هناك.
تم إنتاج عدد من الأفلام الوثائقية سابقا في محاولة لتفسير المذبحة التي ارتكبتها القوات الأميركية منها “في خط الواجب: كمين في واكو” (In the Line of Duty Ambush in Waco) في عام 1993، وأيضا الفيلم الوثائقي الحائز على جائزة “إيمي” (Emmy) “قواعد الاشتباك” في عام 1997 والمسلسل القصير المكون من 6 حلقات تحت اسم “واكو”.
كانت إدارة مكافحة الأسلحة والتبغ الأميركية قد تلقت تقارير تفيد بتخزين الأسلحة في مركز الطائفة الجديد بتكساس، واكو، فحاصرت القوات المسلحة الأميركية المكان لما يقرب من 51 يوما، وفي النهاية أشعلت النار فيه.
ظل زعيم الطائفة ديفيد كوريش على تواصل مع الشرطة، ونجح التفاوض في إطلاق سراح 35 فردا من أتباعه بينهم 21 طفلا، ولكن في 19 أبريل/نيسان 1993، وفي محاولة للضغط على أفراد الطائفة للخروج، صدم عملاء القوات الفدرالية الأميركية المبنى بالدبابات وشنوا هجوما بالغاز المسيل للدموع، فاشتعلت النيران في المركز، وهو ما أدى إلى وفاة 86 شخصا، بينهم 28 طفلا، وتوفي كوريش (33 سنة) نتيجة إصابته بطلق ناري في الرأس.
مستندات جديدة
في 3 حلقات، يستعرض صناع العمل فصول الحكاية مدعومة بتفاصيل جديدة ظهرت من خلال التحقيقات، ومقاطع فيديو تم الإفراج عنها من قبل الجهات الرسمية.
تروي الحلقة الأولى التي تحمل عنوان “في البداية “، كيف اندلع إطلاق النار عندما وصل عملاء اتحاديون إلى المكان حاملين أمر تفتيش.
يطرح صناع العمل رؤية متأخرة 20 عاما لما كان يمكن أن يجعل الأمر يتم سلميا، حيث كانت قوات مكتب التحقيقات الفدرالي “إف بي آي” (FBI) مستعدة للانقضاض لتنفيذ أوامر الاعتقال والتفتيش ضد ديفيد كوريش وأفراد الطائفة الداودية لحيازتهم أسلحة غير قانونية.
وفي الوقت نفسه تلقت وكالات الأنباء المحلية بلاغًا بشأن مداهمة محتملة من أجل تطبيق القانون، بينما يواجه مصور تلفزيوني مشكلة في العثور على الطريق المؤدي إلى مجمع “مركز جبل الكرمل” (Mount Carmel Center)، وهو مركز الحدث الذي يتحصن فيه أفراد الطائفة، فسأل ساعي البريد الذي كان عضوا في الطائفة وأبلغه أن هناك مداهمة وأبلغ ساعي البريد الطائفة، فانتبه المتحصنون وسلحوا أنفسهم، فانتفى عنصر المفاجأة الذي كان يمكن أن يحسم القصة مبكرا دون دماء.
في الجزء الثاني الذي جاء بعنوان “أطفال الله” يتملك الفضول المسؤولين حول الرجل الذي يطلق على نفسه اسم المسيح، وتتحول “واكو” إلى سيرك إعلامي، وتصل الخلافات إلى أقصاها بين فرق الإنقاذ والتفاوض في مكتب التحقيقات الفدرالي بشأن استخدام القوة.
يصل المراسلون والكاميرات من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ومن خارجها، ويتم فتح خط مباشر مع كوريش، الذي تم التحري عنه وتم رصد ماضيه المضطرب نفسيا، وفي اللحظات نفسها كانت القوات تجتمع وتجهز معداتها بما فيها الأسلحة الثقيلة لمواجهة مجموعة يبلغ عدد الأطفال فيها نحو الثلث.
الجزء الأخير، والذي يأتي تحت عنوان “النار”، حيث ينتظر الجميع ديفيد كوريش الذي يقدم وعودا بالاستسلام، وينقضها مؤكدا أن الوحي لم يأمره بعد بتنفيذها، ليقوم مكتب التحقيقات الفدرالي وقواته بإحراق المركز.
ينقل المسلسل المسار التفاوضي بين الطرفين، الحكومة وممثليها من جهة، والطائفة التي يمثلها ديفيد كوريش من جهة ثانية عبر تسجيلات تم الإفراج عنها أخيرا، ويعرض حوارات كوريش مع مفاوضيه وكذا مقاطع فيديو مصورة له مع أعضاء طائفته.
استعان صناع العمل أيضا بكتاب “مكان يدعى واكو: قصة الناجين” 1999 (A Place Called Waco: A Survivor’s Story) من تأليف ديفيد ثيبوديو، الذي التقى ديفيد كوريش.
من المجنون؟
منذ عام 1993 حتى الآن لم تتوقف الآلة الرسمية عن محاولة التملص من الخطايا التي أدت إلى مقتل 86 شخصا، كما أدت إلى غضب كبير من الشعب الأميركي حينها على السلوك العنيف للشرطة، واعتبرت من أكثر الجوانب ظلمة وظلما في حقبة حكم بيل كلينتون، ولم تتوقف تلك الآلة أيضا عن نعت ديفيد كوريش بالمجنون، واعتبرته “بيدوفيليا” أي مريضا بالاعتداء الجنسي على الأطفال. وتقول بعض الروايات إنه تزوج 3 فتيات قاصرات من الطائفة.
يكشف المسلسل الوثائقي عن عشوائية اتخاذ القرارات بين الأجهزة المختلفة للشرطة بمستوياتها المتعددة، كما يكشف عن تشويه الأجهزة لصورتها وصورة الدولة من خلال مخالفة وعودها بعدم المساس بمن يتم إطلاقهم من المركز المحاصر.
يحكي الناجون قصتهم بين الدموع والحنين لتلك اللحظات، لكن التناقض الكبير يطرح نفسه في سؤالين، الأول حول مجنون ذهب إلى تكساس لينتظر نهاية العالم ومعه أشخاص أكثر جنونا خاطروا بأطفالهم.
والسؤال الثاني حول الأكثر جنونا بين كل هؤلاء شخص ينتظر نهاية العالم أم جهات مسؤولة عن سلامة المجتمع تضحي بالأم والجنين في كوميديا سوداء من أجل نجاح العملية، فتقتل الرجال والنساء والأطفال، ثم تعلن نجاح العملية.
المصدر : الجزيرة