انفصال جزء من الشمس وتكوين دوامة فوق قطبها الشمالي.. ما الذي يحدث هناك؟
ما أثار دهشة علماء الفلك حقيقة أن البروز أو خيط البلازما انقطع فجأة ثم ظل في الهواء ساعات فوق القطب الشمالي للشمس، وأطلق عليه العلماء اسم "الدوامة القطبية".
رغم مراقبة العلماء المستمرة للشمس فإنه في بداية فبراير/شباط الحالي حدث أمر لم يسبق له مثيل أثار حيرة العلماء، وهو انفصال خيط طويل من البلازما التي تبرز عادة من سطح الشمس، وكوّن دوامة تشبه التاج فوق القطب الشمالي للشمس.
وما أثار دهشة علماء الفلك أن البروز أو خيط البلازما انقطع فجأة ثم ظل في الهواء ساعات فوق القطب الشمالي للشمس، وأطلق عليه العلماء اسم “الدوامة القطبية”.
ويتوقع العلماء أن يكون لتكون الدوامة بهذا الشكل علاقة بانعكاس المجال المغناطيسي للشمس الذي يحدث مرة واحدة كل دورة شمسية؛ أي كل 11 عاما، لكنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن سبب حدوث ذلك.
وتصف وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) خيوط البلازما الشمسية بأنها سحب من الجسيمات المشحونة التي تطفو فوق الشمس وتكون مرتبطة بها بواسطة قوى مغناطيسية، وتظهر على شكل خيوط ممدودة وغير مستوية تنطلق من سطح الشمس.
وبينما يلاحظ علماء الفلك بشكل مستمر خيوطا من البلازما تنفصل عن الشمس، فهذه هي المرة الأولى التي ينفصل فيها خيط البلازما ولا ينطلق في الفضاء بل يكوّن دوامة ويدور حول القطب الشمالي للشمس.
سر خط العرض 55 درجة
يقول سكوت ماكينتوش -عالم الفيزياء الشمسية من المركز الوطني الأميركي لأبحاث الغلاف الجوي- لموقع “سبيس” (Space) إنه بينما لم ير دوامة كهذه من قبل، فإن شيئا غريبا يحدث عند خط عرض الشمس البالغ 55 درجة كل دورة شمسية، حيث تتشكل خيوط البلازما عند خط العرض هذا وتبدأ في التوجه نحو القطبين الشمسيين، وهو أمر يثير الفضول، فلماذا تتحرك فقط نحو القطب مرة واحدة ثم تختفي ثم تعود بطريقة سحرية بعد 3 أو 4 سنوات في المنطقة نفسها بالضبط؟
يذكر موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) أن هذا الحدث الغريب حتى بالنسبة للعلماء يأتي في ظل تكثيف الشمس نشاطها هذا العام، خاصة مع تزايد البقع الشمسية والتوهج الشمسي.
لقد أطلقت الشمس العديد من التوهجات الشمسية من فئتي “إكس وإم” (X & M) في يناير/كانون الثاني 2023، وهما على التوالي أكبر وثاني أكبر توهج شمسي تستطيع الشمس إنتاجه.
وتشمل فئات التوهج الشمسي فئات “إيه” (A) و”بي” (B) و”سي” (C) و”إم” و”إكس”، مع كون كل فئة أقوى 10 مرات على الأقل من الفئة السابقة لها. وتوازي توهجات الفئة “إكس” المندلعة من الشمس قوة مكافئة لمليار قنبلة هيدروجينية، وفقا لوكالة ناسا.
أما إذا اصطدمت هذه التوهجات بالأرض فسيتسبب ذلك في انقطاع التيار الكهربائي والراديو، إضافة إلى تلف الأقمار الصناعية في مداراتها حول الأرض.
ويأتي هذا الحدث المحير كذلك في ظل دورة الشمس الحالية الغريبة بعض الشيء، التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2019، حيث تجاوز نشاط الشمس التوقعات بشكل كبير، ولا يزال مستمرا في ذلك. مع العلم أن كل الدورات الشمسية ليست سواء؛ فبعضها أقوى والبعض الآخر أضعف.
الدورة الشمسية
والدورة الشمسية هي تغير النشاط الشمسي مع مرور الوقت، إذ يبدأ ضعيفا ثم يزداد شيئا فشيئا حتى يصل إلى قمته، ثم يأخذ في الانخفاض مرة أخرى وهكذا. وتحدث الدورة الشمسية كل 11 عاما.
ويحدد العلماء معرفتهم عن الدورات الشمسية بتتبع البقع الشمسية، وهي مناطق من سطح الشمس تبدو داكنة لكنها في الحقيقة ليست كذلك وإنما هي مناطق تنخفض درجة حرارتها عن درجة حرارة باقي سطح الشمس.
وحينما يكون عدد البقع الشمسية كبيرا، وتكون قريبة من قطبي الشمس فإن هذا يعني نشاطا شمسيا كبيرا، وبعد ذلك تتحرك البقع الشمسية من الأقطاب إلى خط الاستواء، وحينما تكون البقع الشمسية قليلة وقريبة من خط الاستواء فإن ذلك يعني نشاطا شمسيا ضعيفا.
وتتزامن هذه الدورات مع تقلبات في المجال المغناطيسي الشمسي، وهو المسؤول عن كل شيء بدءا من الانفجارات الشمسية التي تسبب الشفق القطبي والمجال المغناطيسي بين الكواكب والإشعاع.
ووفقا لناسا، فإن المجال المغناطيسي للشمس يتكوّن في الأساس نظرا لتكوّن الشمس من البلازما، وهي حالة من المادة تشبه الغازات تنفصل فيها الإلكترونات والأيونات، مما يخلق مزيجا شديد الحرارة من الجسيمات المشحونة. وعندما تتحرك الجسيمات المشحونة فإنها تخلق بشكل طبيعي مجالات مغناطيسية لها تأثير إضافي على كيفية تحرك الجسيمات.
بالنسبة للعلماء، فإنه لم يتم تحديد الفهم الكامل للمجال المغناطيسي للشمس حتى الآن، بما في ذلك معرفة كيفية تكونه بالضبط وبنيته في أعماق الشمس، إلا أنهم يعرفون بالتأكيد أن النظام المغناطيسي الشمسي يقود دورة النشاط التي تبلغ 11 عاما تقريبا على الشمس.
وعندما يكون المجال المغناطيسي في أضعف حالاته عند القطبين، تتبدل الأقطاب المغناطيسية للشمس، وتنعكس قطبية المجال المغناطيسي. وهذا هو الوقت الذي تكون فيه الشمس في ذروة نشاطها، والمعروفة باسم الحد الأقصى للطاقة الشمسية.
وفي الوقت الحالي يعرف العلماء أننا على أعتاب الحد الأقصى للطاقة الشمسية، وتشير التنبؤات الحالية إلى حدوث ذلك في يوليو/تموز 2025.
فهم الدوامة القطبية
يعتقد العلماء أنه يتعين عليهم تحديد سبب دوران خيوط البلازما المنفصلة حول الشمس بدلا من خروجها إلى الفضاء. وهم يتوقعون أن فهم ما حدث من انفصال للبلازما وتكوين الدوامة القطبية فوق القطب الشمالي للشمس يتوقف على فهم ما يحدث عند انعكاس المجال المغناطيسي للشمس الذي يحدث مرة واحدة كل دورة شمسية.
ويقترح عالم الفيزياء الشمسية سكوت ماكينتوش أن مهمة المركبة المدارية الشمسية التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية ربما تسلط بعض الضوء على هذه الظاهرة الغريبة في السنوات القادمة. وهي المهمة التي تلتقط صورا للشمس من داخل مدار عطارد.
ويعتقد ماكينتوش أن هذا قد لا يكون كافيا لحل لغز الدوامة القطبية، وقد يحتاج العلماء إلى مهمة جديدة تماما للقيام بذلك.
المصدر: الجزيرة