الطفولة وتأثيرها على حياة الأشخاص في رواية القاتل الأشقر
في رواية القاتل الأشقر والتي إستطاعت أن تكسب ود القراء عبر سردها المميز والموضيع الحساسة التي عالجها الكاتب المغربي الشاب طارق بكاري، مواضيع تتعلق أساسا بما يجري في المجتمع وفي حياتنا اليومية التي نعيشها، لقد وظف شخصيات الرواية وعبر مختلف الأحداث التي طبعت الرواية توظيفا سلسا وذو معنى عميق يتماشى وما تعيشه هذه الشخصيات في الواقع وعبر مختلف أحداث الرواية، فكل شخص منا يحمل بين طياته شخصية أخرى تظهر في الوقت الذي تتوفر الظروف الملائمة، سواء كان ذلك بشكل سلبي أو إيجابي، وهذا ما نجح في توظيفه كاتبنا المميز طارق بكاري، من خلال شخصيتي الأم والقاتل الأشقر، وتأثير المجتمع والحياة العامة عليهما، من خلال الظروف الصعبة التي عاشتها الأم، والطفولة الصعبة التي طبعت بها حياة الشخصية الرئيسية للقاتل الأشقر.
وبالعودة إلى صلب الموضوع فإننا نجد أن الكاتب طارق بكاري قد حاول ان يركز بشكل كبير جدا على مرحلة مهمة من مراحل البطل، مرحلة الطفولة، تلك المرحلة المهمة في حياة كل شخص منا، وخاصة إذا تعلق الأمر بالقسوة أو الحرمان الذي تبصم روح وحياة هذا القاتل الأشقر، في إعتقادي أن مرحلة الطفولة لها تأثير مهم من خلال تشكيل شخصيتنا، فكل ما تعلمناه في الصغر يضمخ حياتنا ويلعب دورا كبيرا في البناء الشخصي لكل ما قد نعيشه أو سنعيشه، وهذا ما عاشته الأم في طفولتها قبل أن تدخل عالما خاصا وتنقلب حياتها رأسا على عقب، لقد حدث كل هذا خلال فترة معينة من حياتها، هذه الفترة ساهمت بشكل من الأشكال فيما وصلت حياة هذا القاتل الأشقر.
إن الطفولة وما تنطوي عليه من خلال ما أرتبط بها خلال المراحل السابقة، هي التي تضع اللبنات الأساسية لذى أي شخصية، ونجد هذا الأمر جليا عند كاتبنا طارق بكاري عندما يحملنا عبر المتن السردي ليكشف لنا طبائع شخصيات الرواية، فكل شخصية تحمل بين طياتها ما لصق بها من الطفولة، ويضعنا أمام أنواع مختلفة من البشر عاشوا في أوضاع مختلفة، ومجتمعات وإن كانت إسلامية عربية إلا أن لها خصوصيتها وثقافتها التي تختلف كليا عن الأخرى، فالطفولة التي عاشها القاتل الأشقر في المجتمع المغربي، ليست هي التي عاشها الصحفي اللبناني، وليست هي التي وجدها الشاب المغربي في سوريا بعد الإلتحاق بتنظيم الدولة.
إن طبيعة الشخصيات في رواية القاتل الأشقر، تظهر من خلال ما تعيشه هذه الشخصيات يوميا وما يحكيه البطل الإشكالي للشخصيات الأخرى، وإذا أردنا أن نمثل لذلك نجده قد دخل في علاقة إنصهار مع الصحفي اللبناني والذي صرح له بكل ما يملكه عن المجتمع الذي تربى فيه وعاش مختلف ظروفه التي حملته إلى بلاد الشام، لقد كان هذا الصحفي اللبناني يريد الوصول الى الظروف الصعبة التي عاشتها شخصية القاتل، والظروف التي دفعته إلى إتخاء هذا القرار الصعب، قرار الموت في بلاد بعيدة عن بلاده، والقتال لقضية غير مفهومة ولا تمت لقضايا بلاده بأي صلة.
لقد كان وليد يريد الوصول إلى طبيعة الحياة التي عاشها القاتل، وخاصة الطفولة لأنه كان قد زار المغرب في وقت سابق ويعرف جيدا الظروف التي يعيشها المغاربة، لقد كان همه أن يعود إلى طفولة هذه الشخصية، وقد تأتى له ذلك من خلال المعلومات التي حصل عليها بعد صداقته مع هذا القاتل، هذا الصحفي الذي تدرب على أبجديات المخابرات بدأ يتحسس مسار الشخصية، والظروف التي صنعت منه قاتلا، وتأكد بعد طول حوار أن شخصية القاتل الأشقر مرتبطة أشد الإرتباط بطفولته وما عاشه خلال هذه المرحلة، في علاقته بوالدته ومحيطه.
لقد غيرت الأم ضحية الطفولة أيضا حياة القاتل الأشقر، وجعلته يسلك طريقا غير التي كان سيسلكها لو توفرت له الظروف المواتية، وكان له أب كباقي الأولاد، وعاش حياة عادية، إن اخطاء الطفولة لها تأثير مهم جدا على الحياة الخاصة بنا، وعن محيطنا وما سيأتي بعد ذلك، إنها تغير نمط حياة الناس، وهذا ما حصل مع القاتل الأشقر وأمه فكلاهما عاشا ظروفا صعبة لم يكن أحد يتوقع ذلك، سواء بالنسبة للأم، تلك الفتاة البدوية البسيطة، أو الطفل الصغير الذي وجد نفسه في مجتمع لا يرحم.
لقد حاول الكاتب المغربي الشاب طارق بكاري أن يجد الأعذار لشخصيتي الرواية وكأنه يبدي تعاطفا معهما، ويرجع أن كل ما وقع لهما كان صنيع الأقدار التي دفعتهما إلى فعل ذلك، وجعلتهما مرغمين على كل ما لحق بهما وما عاشوه بعد الطفولة، لقد حاولت هذه الشخصية البحث عن حياة اللحظة بعد الطفولة المغتصبة، لقد تركت الأخت يحوم حولها الموت بدون مبالاة.
ظروف الطفولة وما سيأتي بعدها غير الحياة الخاصة لكل شخصيات الرواية، فحياة ولجت عالم المجون والعهر نتيجة الظروف و المعاناة والقسوة والألم التي ميزت مسار طفولة هذه الشخصية، لقد إختارت طريق العهر كمحاولة منها لتغيير قدر الطفولة وفتح نافذة جديدة تطل بها عن الحياة، لعل ذلك يكون خلاصها من مخلفات الطفولة ويعرج بها على حياة الوجود الذي لم تعشه بعد، لكن هذا الوجود الذي ولجته لم يغير من حياتها، بل على العكس من ذلك تراكمت عليها العقد النفسية، وتضاعفت المعاناة وزاد مفعول الاغتصاب، لقد وجدت نفسها وهي تبحث عن هذا العالم تسخر حياتها وجسدها لإرضاء الزبناء و لإشباع رغبات عاشتها في طفولتها وظلت مكبوثة ومقموعة إلى حد كبير داخلها، ولم تجد بديلا عن تفريغها إلا القتل، لقد كان كل هذا وما ارتبط بحياة شخصيات الرواية نتاج الطفولة وما حرمت منه كل شخصية.