الإرهاب والإتجار بالبشر: وجهان لعملة واحدة.. وأساليب داعش لتجنيد النساء خير دليل
هناك صلة واضحة بين الإتجار بالبشر والإرهاب
أينما حلّ الفساد والإجرام حلّت الجماعات الإرهابية معه، فيبدو أن بؤر الانحلال والتسيّب تلائمها وتلهم فكرها المتطرف، فتتوسع فيه وتنمو وتتكاثر.
وفي إثبات على ذلك، تشير العديد من قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى القلق من أن تكون الجماعات الإرهابية تستفيد من الاتجار بالبشر، ولا سيما من خلال أربعة أنواع من الاتجار؛ الاستغلال الجنسي والتجنيد القسري والعبودية واختطاف النساء.
وفي مقدمة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة (UNTOC) لعام 2003، يضع الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان الإرهابيين والمتاجرين بالبشر في الخانة نفسها، إذ أنها يصنّف الإرهابيين والمجرمين وتجار المخدرات والمتاجرين بالبشر بأنهم جزء من “مجتمع غير متمدّن”، مشيراً إلى أن هؤلاء يتعاون لنشر التهديد والخوف في العالم.
وهذا الاقتران مع أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة يشي بالعلاقة والارتباط الموجود بين الاتجار بالبشر من جهة والإرهاب من جهة أخرى.
وعلى الرغم من وجود صلة واضحة بين الاتجار بالبشر والإرهاب، إلا أنه غالبا ما يتم النظر إلى هذه القضايا بشكل منفصل.
هذا التصور قد يكون نبع عن الآثار المدمرة للهجمات الإرهابية بعد أحداث 11 سبتمبر، والتي تسببت في أضرار جسيمة للمدنيين الأبرياء والبنية التحتية للولايات المتحدة.
وقد أدى الخوف من الهجمات الإرهابية في نهاية المطاف إلى الارتباك بشأن وضع الأفراد الذين تتاجر بهم المنظمات الإرهابية.
تعرف المادة 3 من بروتوكول الأمم المتحدة لمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الاتجار بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو استقبالهم عن طريق التهديد أو القوة أو الاحتيال أو الخداع أو إساءة استخدام السلطة لأغراض الاستغلال، بما في ذلك الاستغلال الجنسي أو الاسترقاق أو الاستعباد.
الجماعات الإرهابية تستخدم الاتجار بالبشر لأغراض الاستغلال الجنسي
موقع initiate.my أشار في مقال إلى أن الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، وبوكو حرام، وجماعة الشباب، تستخدم الاتجار بالبشر لأغراض الاستغلال الجنسي كأداة استراتيجية وأيديولوجية. إنهم يقومون بأدوار مزدوجة، كمشغلين للأنشطة الإرهابية ومتاجرين بالبشر. ويعملون على الحفاظ على سير العمليات من خلال إمداد المقاتلين بما في ذلك النساء.
وكثيراً ما تستخدم هذه الجماعات أساليب تجنيد دنيئة لاستغلال النساء. على سبيل المثال، يقوم داعش بتجنيد النساء والفتيات من خلال الخداع واستغلال نقاط الضعف، من بين وسائل أخرى، لجمع الأموال ودعم أنشطتهن. ويتبعون استراتيجية تتلخص في ثلاثة عناصر: التجنيد والمكافأة والاحتفاظ. ويتم دفع “العرائس الجهاديات” (العروس الجهادية) إلى الاعتقاد بأنهن سيلعبن أدوارًا مهمة في التنظيم، لكن في الواقع يتم استغلالهن لتحقيق الرغبات الجنسية للمقاتلين الذكور.
وتسلط كاتارينا مونتغمري الضوء على أن تجنيد العرائس يمثل استراتيجية بالغة الأهمية للجماعات الإرهابية، حيث تعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة إغراء فعال للمقاتلين الأجانب الذكور للانضمام إلى الجماعة والبقاء معها. ويتضمن هذا الإغراء في كثير من الأحيان وعدًا بالزوجة، غالبًا ما تكون فتاة يزيدية، كمكافأة للانضمام إلى جماعات مثل داعش.
بالإضافة إلى ذلك، تتحوّل هؤلاء النساء غالباً إلى أداء الواجبات المنزلية مثل الطبخ والتنظيف وتربية الأطفال. كما يتم تحفيزهن أيضًا على إنجاب الأطفال ومنحهن راتبًا عن كل طفل، كجزء من استراتيجية لتعزيز الجيل القادم من الجهاديين وتأمين بقاء الجماعة على المدى الطويل.
وفي بعض الحالات، تستجيب النساء لدعوة داعش للمشاركة في إنشاء دولة جديدة حيث يمكنهن ممارسة شعائرهن الدينية بـ”حرية”. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر بعض النساء أن عليهن توظيف شابات أخريات، لاعتقادهن أنهن يلعبن دورًا حاسمًا في آلة الدعاية لتنظيم داعش.
غالبًا ما يضفي المتاجرون بالبشر طابعًا رومانسيًا على فكرة أن تكون إمراة زوجة “جهادي”، ويرسمون صورة لـ “الشرف” والحياة المثالية، لكنهم يغفلون الحقائق القاسية للعنف الشديد، والاستعباد الجنسي المحتمل، فضلاً عن الزواج القسري الذي قد تواجهه النساء.
والجدير ذكره أن مثل هذه السيناريوهات تندرج ضمن الاتجار بالبشر كما يحدده البروتوكول.
كيف تتعامل ماليزيا مع هذا الملف؟
أما بالنسبة للقاصرين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا، فتشكل هذه الأفعال بحقهم اتجارًا بالبشر بغض النظر عن الإكراه أو الخداع. وكما في اتفاقية الأمم المتحدة، كذلك في ماليزيا، حيث ينص القانون الماليزي لمكافحة الاتجار بالأشخاص ومكافحة تهريب المهاجرين (ATIPSOM) لعام 2007 على أن موافقة الشخص لا أهمية لها في الحالات التي تنطوي على التهديد أو القوة أو الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع.
وعلى الرغم من تعرضهن للأذى والاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية، فإن النساء، بما في ذلك المواطنات الماليزيات، قد يترددن في مغادرة تنظيم داعش أو الهروب منه بسبب مخاوف من الاعتقال والمحاكمة بموجب قوانين صارمة مع عقوبات شديدة واحتجاز لفترات طويلة. والجدير بالذكر أن القوانين الأساسية لمكافحة الإرهاب في ماليزيا، وقانون الجرائم الأمنية (التدابير الخاصة) لعام 2012 وقانون منع الإرهاب (بوتا) لعام 2015، يسمحان بالاحتجاز لمدة تصل إلى 60 يومًا.
ويمكن القول إن حماية ضحايا الاتجار تعتمد على اعتراف السلطات بالصلة بين الاتجار بالبشر والإرهاب وتوسيع التحقيقات لتشمل الجماعات الإرهابية. وهذا يستلزم بذل جهود مشتركة بين وحدات مكافحة الاتجار بالبشر وتلك المعنية بمكافحة الإرهاب، مما يؤكد ضرورة قيام سلطات الدول بإجراء تحقيق شامل في خلفية كل فرد للتأكد مما إذا كان قد تم الاتجار به واستغلاله من قبل الجماعات الإرهابية.
إن التركيز التقليدي على مكافحة الجريمة والتدابير الأمنية، غالبا ما يتجاهل الدور الذي يلعبه الاتجار بالبشر في ملف الإرهاب. ومن الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة الماليزية أن تعترف، في صنع سياساتها الأمنية، بالاتجار بالبشر على أنه وسيلة من وسائل الحرب والإرهاب. يتمثل هذا النهج العملي في دمج تدابير مكافحة الاتجار مع خطة العمل الوطنية القادمة لمنع ومكافحة التطرف العنيف (NAPPCVE)، مما يضمن إطارًا سياسيًا قويًا وشاملاً.
المصدر: اخبار الان