فتح الإسلام وغزو المسيحية!!
عندما نتحدث عن الغزو كمفهوم، لابد من الرجوع إلى الأصل، أصل الكلمة في المعجم وشرحها شرحا توضيحيا، المراد منه إزالة اللبس عن هذا المفهوم، فكلمة الغزو كما في المعجم الوسيط، تعني “السير إلى قتال العدو ومحاربته في عقر داره”، وهذا لا نجده في الفتوحات الإسلامية، فالدعوة الإسلامية كانت دعوة لين تحمل الخير لكل البلدان المفتوحة، وإن كانت بعض الفتوحات تمت بالسيف فهذا بعد لين وشرح مفصل وطويل لرسالة الإسلام، هذا من جانب، ومن جانب آخر نجد أن كلمة غزو في مفهومها الحديث، كما في علم السياسة تشير إلى “عملية دخول منظم إلى أرض تخص جماعة أخرى دون إرادة أهلها، بهدف الاستيلاء عليها واحتلالها ظلما وعدوانا”، وهنا نستطيع أن نقول أن الحروب الصليبية والحركات الإمبريالية العالمية، وحتى ما نشاهده في التاريح الحالي بالدول العربية والإسلامية، فهو غزو ممنهج يهدف إلى امتصاص خيرات ومقدرات هذه الدول، من بترول وغاز ومواد أولية، ومن أبرز هذه الأمثلة ما يعيشه الشعب الفلسطيني الذي سلبت أرضه وهجر إلى مناطق وبلدان أخرى، بعدما تعرض لغزو استيطاني من طرف الكيان الصهيوني، عن طريق الهجرات من مختلف بقاع العالم إلى أرض الميعاد حسب زعمهم كما يروجون لإيديولوجيتهم، بلا رحمة ولا عدل.
وإذا ما حاولنا أن نقف عند مفهوم الفتوحات، كما في قاموس المحيط وأن نشرح الكلمة حسب سياقها وأبعادها، فإن الفتح يشير إلى “التغلب عليه وتملكه”، بمعنى أن تستطيع التغلب على قوم معين، أو بلد من البلدان، وهنا يشبه الفتح إلى حد ما مفهوم الغزو، لكن الفتح في معناه السياسي فيعني “ضم البلاد المفتوحة إلى الدولة الفاتحة، واعتبارها ولاية من ولاياتها، وتطبيق النظام الحاكم في البلد الأم على الولاية الجديدة”، وهذا ما حصل في مناطق عديدة وصلها الدين الإسلامي الحنيف بسبب الفتوحات التي عرفها العالم في العهد الإسلامي، على يد الخلفاء الراشدين وباقي الدول التي تعاقبت على الحكم الإسلامي، والتي توقفت مع العثمانيين، حيث بداية الإنهيار، وصعود ما يسمى الحضارة الأوروبية مع الإمبريالية العالمية، حيث غزت كل العالم، وأضحى تحت حكمها، حيث أن الفتوحات الإسلامية كانت مسالمة ولم تظلم أي أحد كما أنها لم تكره أي شخص على الدخول إلى الإسلام، وكان شعارها البارز {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} ولم يستخدم المسلمون القوة في وجه المستضعفين قط، وإنما في وجه القياصرة والأكاسرة الذين يملكون الجيوش والقرارات ويعيثون في الأرض فسادا، يتسلطون على العباد، ويخضعونهم كرها.
قد يقول القارىء أن الفتوحات تشبه إلى حد كبير الغزو، في الطريقة، وأنا متفق معه، لكن هناك أوجه الإختلاف كثيرة، بحيث أن الفتوحات الإسلامية التي جاءت بعد ظهور الإسلام وبعده، ركزت كثيرا على مجموعة من المبادئ ومنها العدل والمساواة، وكانت أكثر وضوحا ولم تكن لها أهداف تجارية أو أي شيء من هذا القبيل، فالفتوحات كانت مستمدة جذورها من القرآن والسنة وتعليمات الخلفاء، كما رافق هذه الفتوحات حسن المعاملة لسكان البلاد المفتوحة، ومعاملتهم أفضل معاملة، فالهدف واضح نشر الدين ولا شيء غير ذلك، ويتضح ذلك عندما دخل المسلمون الأندلس، فمن الإيبيرين من بقي على دينه دون أن تمسه أيادي المسلمين، كما أنهم كانوا يحتفلون بالأعياد غير الأعياد الإسلامية، مخلفين حضارة من الرقي والإزدهار ما تزال شاهدة عليهم إلى اليوم، وقد إمتدت هذه الفتوحات الإسلامية، من المغرب الأقصى، إلى الأندلس وبلاد الأناضول، ثم إلى السند والهند و حدود الصين شرقا في أقل من مائة عام، وهذا من المستحيل أن يحدث لو لم تكن نوايا الفاتحين من المسلمين تريد بالأمم خيرا.
إن توظيف كلا الكلمتين “الفتح” أو “الإحتلال” أو “الإستعمار”، يرجع بالأساس إلى ثقافة الكاتب وانتماء جذوره، فحينما يتحدث الكاتب بلسان عربي إسلامي سيكتب على أنه فتح أريد به خيرا للبشرية جمعاء، فيما الآخرون من غير العرب والمسلمون، فيبدوا لهم على أن كل ما قام به المسلمون يشكل غزوا.
وخلاصة القول مهما إختلفنا أو اتفقنا سنجد على أن الفتوحات الإسلامية، كان لها هدف واحد، سعت من خلاله إلى تحقيق الوحدة ولم شمل المسلمين، ورص صفوفهم، ولم تجعلهم دويلات متناحرين كما يحدث وحدث مع الإستعمار الإمبريالي للعالم، فقد غرست طوال إمتدادها عقيدة الأخوة بين المسلمين والناس أجمعين مهما اختلفت دياناتهم واجنساهم وعقيدتهم، الأمر الذي لا نجده في الإستعمار الذي كان يقسم ومازال الناس على حساب العقيدة والعرق والجنس، كما يحدث حاليا في مناطق شتى من العالم، أو كما حدث فترة الإستعمار الفرنسي للمغرب مع الظهير البربري، الذي سعى إلى تقسيم المغاربة ما بين الأمازيغ والعرب، الآيات الكريمة توضح بجلاء مقصدية وأهداف الفتوحات الإسلامية{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (سورة الحجرات 10)، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (سورة الحجرات 13).